القصة ومافيها

النور عادل يكتب : من أين جاء هؤلاء؟ قحت وإخوانهم

في مثل هذا اليوم قبل عامين كتبت محذرا من خطل طريقة إدارة قوى التغيير للمشهد العام بنفس طريقة السالفين من أنظمة البطش والاستهبال السياسي:

ما الضمان ان تعطى السلطة اليوم (٢٣ أبريل ٢٠١٩م) لقوى (التغيير)، وأن لا تأتي هي وتطبق نفس شمولية الكيزان غدا؟ ونرى قوائم الصالح العام تمتد للمتدينين وإن لم يكونوا مرتبطين بالنظام البائد؟ ونرى الفصل والاحلال والابدال على أساس الفكر والايدولوجيا، لا على أساس الكفاءة والوطنية، بل ما الضمان حتى ان يستلموا السلطة الآن، وأن لا يبدأوا باعادة هيكلة الجيش نفسه وتطعيمه بعناصرهم الموالية فكريا وحزبيا لهم؟! وينفوا عنه الكفاءات العسكرية بدعوى عريضة أنهم بقايا نظام. ثم من هم بقايا النظام بربكم؟! ما لونهم؟ ما هيئتهم؟ ما معيار ان تكون بقايا نظام وأن لا تكون؟ أنا ملتحي وزوجتي منتقبة وكلينا ثوار، هل أدرج مع بقايا النظام؟! جاري صانع عرقي وزوجته بائعة هوى- مع الحشمة- لكنهم كانوا أمنجية يبلغون عن كل تحركات أهل الحي، هل هم بقايا نظام؟ ام هم مناضلون أحرار، سكرهم وعمالتهم للامن البائد مغفورة بتفسير ناشط منحاز للفكر لا الوطن، ولحيتي ونقاب زوجتي ووقفونا مع الثورة إدعاء وبقايا نظام ولو اقسمنا بكل الكتب السماوية وغير السماوية!

رحم الله من قال ان المباديء لا تتجزأ.

الفكرة وضحت أظنها، ليس هناك اي ضمانات، أن لا يعود الإقصاء من جديد، بثوب قشيب كليا، يبرق بالثورة، ويخفي تحته الكفر بالآخر، والتنكر لكل قيم الثورة ومرتكزاتها الأولية البدهية، حرية سلام وعدالة.
أنا كمواطن، لا أثق بالسياسيين عامة، خاصةالخطباء المفوهين منهم – حسن إسماعيل كان خطيب سيوبر- اسلاميين أو علمانيين، كلهم يأتي متدثرا بالشعارات، والأناشيد، والمدايح، واهازيج الكنيسة. ما أن يتمكنوا، حتى يبدأوا بإعادة نفس أخطاء من سبقهم، منذ الإستقلال.
ما يمارس الآن من تخوين واتهام للاخرين، فقط لانهم ضد رؤية قوى التغيير، مراهقة سياسية، ومزايدات ستؤدي لمزيد من الاصطفاف الغبي، ومزيد من الشقاق. حين هتفنا في المواكب حرية، سلام، وعدالة، كنا نعني بها الجميع، الآن بدأ التوتر الفكري للمهنيين-للأسف- يتكرر المرة والاخرى، الامس يحددون إمام وخطيب الجمعة وعنوانها، وبعد التمكين، يعطونه ورقة مكتوبة يقرأها وينزل. اليوم يشن بعضهم حرب الاغتيال النتنة ضد الدكتور عبدالحي يوسف، وبعد التمكين يسجنونه ويمنعونه المنبر. لا، وألف لا، ما لهذا جاءت الثورة.
عليه، أرى، ان الحل في البل، وأن من البل المسدد، ان ننتقد نقدا بناءا ذاتيا، أنفسنا كشباب وقوى تدعي الثورة.
الآن الحصة وطن، صحيح، إذن فلتحترم، أحزاب اليسار والليبرالية، مخالفيهم الطبيعيين، حتى وأن جهروا أنهم ضدك، هذا حقهم الطبيعي لو كنت انت ديمقراطي حقيقي لما ازعجك ممارستهم هذا الحق؛ حقهم في رفض فكرك، لكن لأن الفكر كالمرض لابد ان يهيج على صاحبه، بدأنا نرى ارهاصات سودان قوى التغيير من الآن. رموز هذا البلد العلمية والدينية، هم جزء من هذا الوطن حتى وإن لم تعجبك لحاهم، وخطبهم. إلى ان يوفق الله الجميع، لانتخابات حرة نزيهة، فليدعوا كل أحد لبرامجه، ورؤيته للسودان القادم، دون إقصاء ودون فرض وصاية على الآخرين، ودون تذاكي مفضوح بشن حرب الاغتيال المعنوي، هذا أسلوب كيزاني لن ينطلي علينا بعد كل هذه السنين.
بعد فرز نتائج الانتخابات مبروك للشعب قراره، أيا يكن. على الأقل كان له القرار بحق وحقيقة بعد 30 سنة مصادرة. ما عاوزين نجي تاني بعد 30 سنة نقعد نصبها وراء يسقط ويقعد وبطيخ.
يا مسهل يارب.
انتهى

لسان حالي وفيسبوك يذكرني ما كتبت قبل نحو عامين:
(كأنك يا أبوزيد ما غزيت)
نعم كأننا لم نقم بثورة، كأننا ما أزلنا الطغيان، بل كأن الكيزان بعد يحكموننا من مكاتبهم الخاصة بحسب درجة اهوائهم. هل حمدوك كوز مثلا؟ خالد سلك واردول والاصم والخطيب أمن شعبي تراهم؟! ياسر عرمان والشفيع خضر ضباط أمن سياسي؟!
أبدا. ولكن ببساطة ليس لكل – وعلى المطلق- القوى رؤى سياسية أخلاقية قوية تستند لقيم ثورة ديسمبر المجيدة، وحين جاءت رسائل البنك الدولي تبنوا أخلاق الإمبريالية السوقية دون تردد، لذا الان واليوم يغص الشارع في الحسرة على رموز الأمس الثورية مسؤولي اليوم اللامبالية اجاع الناس ام هلكوا بسبب نقص الدواء والاوكسجين.
حتى سقف الحريات الذي كنا نباهي به الفلول، بات يتآكل بسرعة، مع تسارع بلاغات مجلس السيادة ضد شاعر، وصحفي، ومع استيلاء لقمان والرشيد على التلفزيون القومي وايقافهم عمدا لبرنامج الدكتور محمد الامين إسماعيل بأمر شفاهي غير مكتوب وهو جبن منقطع النظير لم يسبقهم إليه مسؤول قط، بات التلفزيون القومي مؤخرا يوصف بتلفزيون لقمان لا تلفزيون السودان من شدة العسف والمزاجية التي تسوده.
انني اكتب واعيد الذكريات القريبة بأشد وأعمق مشاعر الأسى والاسف على مآل ثورتنا، فمن تسنموها كانوا عمالقة وباتوا اليوم اقزام، ومن تسيدوها أسودا مدنية صداحة بالهتاف، باتوا اليوم أمام العسكر وجيوش المليشيات أرانب منزلية تحب الجزر والاجحار والركض للأمام! أمام كل كفيل ومتطفل إقليمي ودولي.
اللهم إنا قد تعبنا واكل الوجع أرواحنا، وهد السهر جفوننا، وباتت نفوسنا غريبة بين جوانحنا، فاحكم بيننا وقومنا بالحق وأنت خير الحاكمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى