ثقافة وفن

يحيى صديق يكتب : أزمة التحامل وانعدام قاعدة التفاعل المشترك

آراء فرانسيس دينق حول مسألة العلمانية والهوية في السودان.
يرى فرانسيس دينق أن الإسلام في شمال السودان متميز ومتسم بسمات المجتمعات المحلية، مما أعطاه عمقاً وانطباعاً قويا في الذات الشمالية، وأورد كذلك أن عملية الأسلمة حدث بها انحراف كبير بسبب الدخول التركي في المعادلة، وبداية تجارة الرقيق والحروب ضد الجنوبيين مما خلقت انطباعات قوية لدى كل الطرفين ضد الآخر، حيث أورد:
السُّودانيون الجنوبيون فخورون أيضاً بعنصرهم الذي قاوم غزوات العرب المتكررة مِنْ أجل تجارة الرقيق، ويحتقرون العنصر العربي لتجرده مِنْ الأخلاق ولسعيه الدائم إلى الهيمنة والإخضاع والتحقير للعنصر الأسود. وخير للسُّودانيين الجنوبيين أن يعتبروا الشماليين عرباً كما يدّعون.
وأن السياق التاريخي لتشكيل الدولة السودانية، انطبع بالتخوفات من عودة الهيمنة أو الإنفصال حيث أورد:
تاريخياً (تشكك الشماليون في أن الجنوبيين يودون الانفصال، وارتاب الجنوبيون في أن الشماليين يرغبون في الهيمنة على الجنوب) .
هذه التخوفات وغياب أي مشروع لمنصة وطنية جامعة خلقت أزمة سياسية وثقافية عميقة حيث أدت في الأخير إلى المواجهة وأورد فرانسيس:
وفي محاولات حكومات ما بعد الاستقلال للهيمنة على الجنوبيين، لَمّا كان هُناك وجود للجنوب كوحدة سياسية فاعلة. وكان نتاج هذه المواجهة، الاستقطاب الذي أصاب الأمة بسبب أزمة الهوية؛ التي أدّت بالتالي إلى اتخاذ الفُرقاء لمواقف متشددة للغاية، تُمثلها الآن الأصولية الإسلامية في الشمال والعناصر الراديكالية المناوئة في الجنوب. هذه الأسباب مُجتمعة تتطلب طرح سياسات تضع في الاعتبار القضايا الهامة التي يرتكز عليها مُستقبل حل الخلاف والخيارات التي سوف تتخذها الأطراف حيال هذه القضايا الخطيرة.
إذن الاعتراف من طرف الجانب الجنوبي بالأزمة حاضر، والوعي بأن خطاب العلمانية سيكون خطاب لا يخاطب جذور الأزمة وأنه يجب حل الخلافات وفي ذات الوقت الاعتراف بالاختلاف وأن الأزمة أكبر من أن تأخذ باعتبارها أزمة سياسية عابرة، وأورد في ذلك:
لا يُمكن بعد الآن تجاهل فكرة الانفصال، التي كان ينظر إليها دائماً على أنها أمر محظور مُحرم، أو إن التناقش بدون الجدية اللازمة. لَمْ يعقد النزاع المزمن المستعصي للبلاد ويعوق مسيرة التنمية والبناء الوطني فحسب، بل دمر السُّودان، مُسبباً فقداً لا يحتمل في الأرواح، ومُحدثاً خراباً في البنيات التحتية لموارد سكان الريف، وتدهورا وانحسارا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لقد أصبح الوضع مأساة إنسانية رهيبة، ولابد إذن مِنْ إيقاف هذه المأساة بالانفصال إذا دعت الضرورة، ولكن بإرادة الشعب الحُرة. وبمرور الزمن، ربما تدفع الطرفين للالتقاء على أُسس الاحترام المتبادل والسعي للتعاون نحو غايات مشتركة.
فرانسيس في ختامه لتحليله يقرّ أن لا شمال بدون جنوب، وأن التعدد وقبول الاختلاف القيمي والثقافي هو الحل الوحيد، وأن الغايات المشتركة أمر حتمي إذا تم خلق قاعدة إلتقاء.
هل الأزمة تكمن في الهوية الاسلاموعروبية للشمال؟ وأن الحل العلماني للأزمة هو الخلاص؟
يجيب فرانسيس بالنفي، إذ أن تجربة جوزيف قرنق عندما عمل وزيراً للجنوب، وهو العلماني الساعي للتوافق فشلت بسبب صراع السلطات في الشمال، والتي هي أصل الكارثة وسماها (الهيمنة)، وهي ذات الكارثة التي تواجه الجنوب عبر هيمنة الكوادر المنتمية للدينكا على الأفق السياسي في الجنوب وأن الوشائج القبلية والبعث الجنوبي للقيم النيلية خلق أزمة حتى داخل الجنوب مما يعلن بأفق أزمة جديدة.
وأن الثقافة العربية الشمالية ذاتها تعاني من كارثية هامشيتها في العالم العربي وضعف تواصلها ومساهمتها.
ويرى أن قبول التعدد والاختلاف سينقذ الجنوب والشمال معاً.
لكن ما معنى التعدد هنا؟

  • الاعتراف بأن الهوية الشمالية السودانية نتاج اختلاط عميق وطويل مع الثقافة العربية، وأن عملية الاستيعاب العربي لم ولن تكون الأزمة ما لم نعترف بضرورة عدم الهيمنة، وكذلك يسرى الأمر في الجنوب، أي أن الهوية السودانية المشتركة ستمثل كما قال: “القارة الأفريقية المصغرة” بكل اختلافاتها.
  • الثقافة الشمالية في ذاتها تعاني من التفكك بسبب عملية البعث الثقافي العربي الحديث، مثلها في ذلك مثل البعث الجنوبي. وأن سياقات الثقافة في كلتا الحالتين، دينامكية ومتعددة واختلافاتها القيمية من العمق بحيث لا يمكن في الأخير أخذ نموذج وتعميمه للكل.
  • أن الصراع القيمي يجب أن يبعد عن الصراع السياسي، وأن تكون التحركات السياسية عبر التمثيل الفيدرالي الذي يضمن حقوق الأقليات والاختلاف الثقافي واللغوي والإثني.
    الإحالات من كتاب صراع الرؤى: نزاع الهويات في السودان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى