مجرد رأي

وائل عبدالخالق يكتب : كلما ضاقت الارض بسعتها على الانقلابيين كلما زادت حدتهم وبطش الشوارع الثائرة

كلما ضاقت الأرض بسعتها على الانقلابيين كلما زادت حدتهم في قمع وبطش الشوارع الثائرة..
وهي استراتيجية معروفة تهدف للوصول الي تفاوض وتسوية يستطيعون من خلالها النجاة والحفاظ على بعض مواقع السلطة بغرض حماية أنفسهم وامتيازاتهم ومصالحهم، وفي نفس الوقت ستعلو بعض الأصوات الداعية للتسوية والمنادية باعتماد اسلوب الاصلاح التدريجي..
مشكلة هذا المدخل هي انه مجرب من قبل بالسودان..
تمت تجربته إبان الحكم المايوي في اتفاقيتي ١٩٧٢ و ١٩٧٧ وفشل..
ثم تمت تجربته إبان حكم الإنقاذ بداية من اتفاقية الشريف زين العابدين الهندي مع الكيزان في عام ١٩٩٦، ثم اتفاقية الخرطوم للسلام عام ١٩٩٧، ثم اتفاقية نيفاشا بكل ما توفر لها من دعم دولي ووجود الجيش الشعبي ثم اتفاقية القاهرة بين التجمع الوطني والكيزان ثم اتفاق الاتحاديين الاصل برئاسة الميرغني مع الكيزان في ٢٠١٠، ثم اتفاقية الدوحة للسلام بين حركة تحرير السودان مني اركو مناوي مع الكيزان مرورا بمرحلة حوار الوثبة ٢٠١٤ وما تمخض عنه حتى سقوط نظام البشير وبعدها تمت تجربة التسوية في ما يعرف بالوثيقة الدستورية الموقعة رسميا في ١٧ اغسطس ٢٠١٩ بين قوى اعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الممثل للجنة الأمنية للنظام البائد ويضم كل قادة القوات النظامية مقرونا مع تسوية اتفاق جوبا للسلام في ٣ أكتوبر ٢٠٢٠ بين المجلس العسكري والجبهة الثورية التي تحالفت معه وما زالت تتحالف معه ضمن هذا الإنقلاب، ثم كانت آخر محاولات التسوية في تاريخ السياسة السودانية هي الاتفاق السياسي الموقع بين برهان وحمدوك في ٢١ نوفمبر المنصرم..

لقد فشل كل هذا التاريخ الحافل بالتسويات في ايقاف الصراع وفتح مداخل لبناء واستقرار البلاد، كما فشل في ايقاف نزيف الدم السوداني.. هذا الفشل مؤشر على عدم نجاعة اسلوب الاصلاح التدريجي في الحالة السودانية ليس لخلل في مفاهيم او الإطار النظري لهذا الأسلوب او الإستراتيجية وإنما ببساطة لخلل في بنية ومؤسسات السلطة في الدولة السودانية..
وعندما أشير لمؤسسات السلطة فإني اقصد كل مؤسسات السلطة من مؤسسات الحكم والمؤسسات العسكرية والقانونية وايضا مؤسسات السلطة السياسية و الاجتماعية والثقافية والدينية في كافة أشكالها القديمة المتجددة..
هذه المؤسسات بتشريعاتها وقوانينها واعرافها لا تحتمل ولا تستوعب قيم الاعتراف بالاختلاف في كل أشكاله وهي بالتالي لا تملك القدرة على تفهم او تلبية حلم الثورة ومشروعها الوطني الذي يمثله شعار الثورة ( حرية.. سلام.. وعدالة).. وهي نفس المؤسسات التي درجت واعتادت تاريخيا على ممارسة دور الوصاية على الشعب و خياراته لذلك من الصعب عليها الفطام من هذه الحالة..
أزمة القوى السياسية التي تنسمت الحكم الانتقالي عقب ثورة ديسمبر انها مارست دور الوصاية واستخدمت نفس الأدوات السياسية القديمة التي استخدمتها تاريخيا عقب ثورتي أكتوبر ١٩٦٤ وابريل ١٩٨٥، لذلك كان طبيعيا ان تختلف وتتفرق أيدي سبأ تحت ضغط القوى الثورية الشبابية وينفرد بعضها بمزايا وامتيازات الحكم في غفلة عما يحيكه الشريك العسكري الموسوم أيضا بوهم الوصاية على الدولة والثورة والحكم، هذا الشريك الذي لم يفعل سوى ما درجت عليه مؤسسات الحكم في تاريخنا السياسي وهو عقد تسويات الامتيازات مع بعض ممن تم اقصائهم وتهميش دورهم في تحالف الحكم قوى اعلان الحرية والتغيير فكان الانقلاب وما تلاه من أحداث كنتيجة طبيعية أيضا لخطل الممارسات وتاريخ التسويات في السودان..

جميع هذه الأطراف بما فيها الحلفاء الإقليميين والدوليين لم يعوا الدرس حتى الآن، ولم يدركوا ان القوى الحية والحديثة السودانية التي انتظمت في لجان المقاومة بمختلف اصقاع السودان هي قوى منتجة جديدة لا تمت لتاريخ وواقع الفشل في الممارسة السياسية والحكم بصلة وان وجودها وفاعليتها يستدعي بل ويفرض واقع جديد كليا تتغير فيه علاقات الانتاج في كافة مناحي الحياة الإنسانية وهذا هو معنى الثورة الحقيقي والجذري..

فهل تملكون قليلا من الحكمة والحنكة للتعامل مع هذا الواقع الجديد وهذه القوى الجديدة ام علينا انتظار نفاذ ذخيرتكم قبل أن تدركوا هذه الحقائق.. ؟؟!!

وائل عبدالخالق مالك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى