مجرد رأي

وائل عبدالخالق يكتب : الفكر السياسي في عالم ما بعد كورونا

تواجه الإنسانية عدواً شرساً هو فايروس كورونا الذي يفتك بها كما يفتك بأقوى النَظريات التي كانت قد بنيت كتعليل قوي لدور الدولة والنشاطات الإقتصادية والنظام العالمي المسيطر. وفضلاً عن التزايد المتسارع لأعداد الإصابة والعدوى بفايروس كورونا، ومع العجز والصعوبات التي تكابدها جميع الدول على حد سواء في محاصرة وعلاج الوباء إضافة إلي التخبط الاداري والسياسي لأقوى الحكومات بالعالم المتقدم جراء تداعيات تفشي الوباء للدرجة التي جعلت زعماء الدول الكبرى أمثال ترامب وماكرون وانجيلا ميركل يتحدثون عن ” حالة الحرب ” لمواجهة تفشي الوباء، تتفق معظم تقارير الخبراء الإقتصاديون حول التوقعات بأن يدخل العالم أخطر أزمة بعد أزمة 1929م الشهيرة، ويقدرون حجم خسائر فايروس كرورونا المستجد بما يزيد على 100 مليار دولار، متركزة في قطاعات حيوية مثل الطاقة والسياحة والطيران والنشاط المصرفي.
يقول جون آلن، رئيس معهد بروكنجز، في مجلة فورين بوليسي:”إن جائحة كورونا شأنها شأن أحداث مفصلية في التاريخ ” كسقوط جدار برلين ” الذي أسفر عن تغييرات جوهرية في السياسة كإنهيار النظام الإشتراكي.
ليس من الواضح الي أين ستتجه التغيرات في الفكر السياسي المعاصر نتيجة لتداعيات فايروس كورونا، إلا أن الأكيد هو أن ثمة تغيرات عميقة قادمة في الفكر السياسي ما بعد كورونا يمكن حصرها بين موقفين رئيسيين. أحدهما هو أن الواقع يفرض عودة المفاهيم السيادية والمركزية للنظام السياسي، بما يعني رجوع الدولة الوطنية الحامية والراعية في مقابل مفاهيم العولمة. والآخر هو أن الأزمة الراهنة أوضحت من خلال انتشار الوباء نفسه ومصاعب مواجهته واقع تداخل المصالح العالمية بما يفرض تبني أدوات تكاملية وتضامنية لتدبير الوضع الإنساني المشترك.
مما لا شك فيه أنه من الضروري إعادة الإعتبار للسياسة من حيث هي تدبير عمومي يختلف عن نمط التسيير الاقتصادي والمالي ويقتضي التحكم في المصالح والقطاعات الاستراتيجية الحيوية بما فيها القطاعات الإنتاجية الأساسية دون الاستغناء عن وضع سياسات تضامنية عالمية في مواجهة المخاطر المشتركة بين أبناء الجنس البشري.
إن التغييرات المطلوبة في الفكر والتوجه السياسي للدول أو للنظام العالمي تحتاج أكثر من مجرد تعديل جزئي أو بسيط في الممارسات السياسية وإجراءات التسيير الاقتصادي والإداري، وإنما وضع مقاربات جديدة كلياً للعلاقة القائمة بين الدولة البيروقراطية المركزية، وحركية التبادل الاقتصادي الحر، والحقوق المدنية الأساسية.
لقد بدا من الواضح الآن أن مفاهيم مثل الدولة الليبرالية بمفهومها للمواطنة ومقاربتها القانونية الحقوقية للشرعية، والسياسات المعولمة بما تقوم عليه من معايير السيادة المتقاسمة أو انفصام المجالات الاقتصادية المالية عن الشأن العام أضحت عاجزة وغير كافية لوحدها عن الإستجابة للتحديات الحالية. وما نجحت أزمة كورونا في تسليط الضوء عليه هو أنها ليست مجرد أزمة صحية عابرة بل هي أيضاً أزمة نظم سياسية ومجتمعية تقتضي تحولات عميقة في ما يتعلق بإجراءات الوباء وتداعياته المختلفة. والمحصلة هي أن عالم ما بعد كورونا مختلف في سماته وخصائصه والتحديات التي يطرحها، ومن هنا تنبع ضرورة الاستعداد لتحليله وللتعامل معه بفكر سياسي جديد ورؤية مغايرة.
نناقش في المقال القادم
مقاربات الواقع السياسي السوداني ما بعد كورونا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى