تقارير سياسية

مخلصاً لحلم والده ..متجاهلاً أحلام الشعب البرهان .. هل كان يطمح أن يكون بشيراً جديداً ؟

بورتسودان : أنس عبدالوهاب / Sudan2day
كان من الممكن أن يكتب التاريخ السياسي الحديث في السودان وافريقيا والعالم ، أسماء قائد القوات المسلحة وقائد قوات الدعم السريع في سجلاتِ العظماء من العسكريين الإصلاحيين الساعين إلى المساهمة في بناء دولةٍ مدنية وديمقراطية وتحقيق تطلعات الشعب الذي انجز ثورةً عظيمة وبناء المؤسسة العسكرية وتأسيسها لتكون أحد أعمدة ترسيخ الديمقراطية وحماية النظام الدستوري وحدود البلاد .
إضاعة الفرص
لكن قائد القوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ، كلما جاءته فرصةٌ للقيام بدورهِ الوطني والواجب والدستوري المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية ، تراءت له مقولة والده بأنه رأى أبنه عبدالفتاح حاكماً للسودان ، صار الإبن وهو قائد العام للقوات المسلحة حالياً مخلصاً لحلم والده أكثر من إخلاصه لأحلام ملايين السودانيين في وطنٍ آمن ومستقر وقائم على أسس التحول المدني والانتقال الديمقراطي والحرية والسلام والعدالة .
خنق الحكومة الانتقالية
خنق البرهان عبر أذرع الدولة العميقة من منسوبي نظام المؤتمر الوطني المحلول وفلوله من مشاركيه منذ أول أيامِ سقوط البشير ، فكان يرى الفتن القبلية تشتعل والفتن تنتشر ولكنه يغض الطرف عنها ،ظهر ذلك في أحداث شرق السودان في الفترة من مايو 2019 حتى أحداث كسلا الشهيرة في أكتوبر 2020 وأحداث بورتسودان ، ثم جريمة فض الإعتصام ، وانقلاب هاشم عبدالمطلب الذي كان الخطة المُكملة لجريمة فض الاعتصام ، ثم أحداث الأبيض ، ومساهمته عبر أذرع الإسلاميين داخل الاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة والشرطة في اشعال الفتن بكلٍ من دارفور والنيل الأزرق وكردفان ومناطق مختلفة ، بل حتى خنق ولاية الخرطوم وهي مركز صناعة القرار السياسي والاقتصادي بالجرائم وإطلاق يد المجموعات الاجرامية طوال فترة الحكومة الانتقالية ، ثم أحداث فبراير 2021 والتي أحرقت فيها مقارٌ حكومية واقتحام أخرى مثل احراق هيئة إذاعة وتلفزيون شرق دافور وخروج مسيرات للإسلاميين تحت مسميات الزحف الأخضر وغيرها في مناطق مختلفة ، وافتعال الأزمات الاقتصادية والمضاربة في العملات الأجنبية
مسيرات الزحف الأخضر
بدأ البرهان إعادة الفلول منذ ديسمبر 2019 ، ورغم مواقف قوى الحرية والتغيير وممثليها في الحكومة الانتقالية عبر مسيرات الزحف الأخضر وفتح لها مسارات الوصول إلى القصر الجمهوري والقيادة العامة ، كان البرهان يصف عبر أصواتهِ من أبواق الإسلاميين لجنة تفكيك نظام 30 يونيو واسترداد الأموال العامة بأنها انتقاميةٌ وشمولية جديدة ، ثم تكوين مجموعاتٍ من التنظيمات التي كانت جزءً من نظام الإنقاذ لتفويضه كما حدث في ابريل 2020 بخروج تحالفٍ اسمه القوى الوطنية وعلى رأسه عضو البرلمان ورئيس حزب بناة المستقبل فتح الرحمن عبدالفضيل والذي أسس هذا الحزب مع كلٍ من عضو مجلس السيادة الانقلابي الذي عينه البرهان عقب الانقلاب أبو القاسم برطم ومعه مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني حتى سقوط البشير صلاح قوش ، ولم يكتفي البرهان بتحالفاتهِ مع الإسلاميين بذلك فقط بل سهل لهم تأسيس نداء أهل السودان وما سميُ التيار الإسلامي العريض وفتح لها الساحات العامة والمساراتِ للتغطية على محاولاتهِ الانقلابية المتكررة والتي استطاعت لجنة تفكيك نظام 30 يونيو واسترداد الأموال العامة أن تحبطها قبل تنفيذها ، وفي 25 أكتوبر 2021 أعاد الفلول وظلوا خط هجومه الأول على ثورة ديسمبر المجيدة .
تعيينات الإسلاميين
قام البرهان بتعيين أعضاء مجلس سيادةٍ بعد الانقلاب دون الإستناد على الوثيقة الدستورية ولكن على قراراتِ انقلابه الذي اسماه تصحيحياً ، وبتعيين الوزراء والتنفيذيين دون الاستناد على بنودٍ دستورية شرعية كل ذلك يدل على أنه خطط فعلياً لأن يكون حاكماً مطلقاً برعاية الإسلاميين وإنجاز تحالفٍ معهم قائم على منحه السلطة ومنصب الرئيس ليكون ( بشيراً ) جديداً ، استمر في التعينات سفراء والولاة واجراء تنقلات وتعينات في الجيش والشرطةوالمخابرات العامة وكل ذلك لتأمين موقعه ، ومع ذلك هو حالياً تحت تهديداتِ الإسلاميين المستمرة بإزاحته ، ولكنه يحافظ على هذا التحالف ليس خوفاً منهم بحسب مراقبين بل لأنه يريد أن يكون رئيساً مهما كلف ذلك من ثمن .
أول الساعين ..اخر من يريد
القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ورغم أنه كان أول الساعين إلى العملية السياسية وتوقيع الاتفاق الإطاري الموقع في 5 ديسمبر 2022 ، لكنه كان اخر من يريد التوقيع عليه وظل يؤجل فيه بأسبابٍ مختلفة ومتعددة تارةً متحدثاً عن توسيع قاعدة المشاركة ، وتارةً عن ضرورة استصحاب الكتلة الديمقراطية وهم حلفائه المطيعين رغم معرفتهِ الكاملة أن أطراف العملية السلمية هم بالأساس جزء من العملية السياسية ولكن تحالفهم مع الإسلاميين من جهةٍ ومعه من جهةٍ أخرى جعلهم يتخذون مواقف ضد إرادة الشعب السوداني حتى اندلاع الحرب .

البرهان ينقض الاتفاق
كيف وقف البرهان ضد الاتفاق السياسي النهائي وتوقيعه ذلك أمرٌ بسيط يتطلب العودة إلى مضابط محاضر ورشة الإصلاح الأمني والعسكري والتي كان توصياتها تذهب نحو الإصلاح وإعادة الهيكلة وبناء مؤسسةٍ عسكرية وأمنية تخدم النظام الديمقراطي والشعب والدستور ، ذلك ما سنعرفه في هذا التقرير .
اتفقت رؤية كلٍ من القوات المسلحة والشرطة خلال ورشة الإصلاح الأمني والعسكري في مارس 2023 ، أن يكون الإصلاح ذاتياً من داخلهما وهو مالم تتفق معه آراء المشاركين في الورشة والذي بلغ عددهم 300 مشاركاً وأن عملية الإصلاح والهيكلة هي مهمة جميع السودانيين الداعمين للانتقال الديمقراطي والتحول المدني ،وتم التأمين على ذلك من ممثلي القوات المسلحة والشرطة المتحدثين في الجلسات التي ناقشت هذه الأوراق وكذلك أهمية إعادة بناء الثقة بين المواطنيين والأجهزة الأمنية والعسكرية بإعتبارها آلياتٍ لتنفيذ القانون وحفظ الأمن وحماية الشعب والدستور وإحدى مؤسسات الدولة الخدمية ، وأمنت أوراق القوات المسلحة والشرطة والمخابرات والدعم السريع على أهمية تفكيك نظام 30 يونيو 1989 داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية ،و ذلك ما يخالف توجهات البرهان والإسلاميين حلفائه .
الدفاع والداخلية للمدنيين
إرادة القوات المسلحة والدعم السريع في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري كانت تمضي نحو الدمج وبناء جيش مهني وقومي واحد ، حيث اتفقت ورقتا القوات المسلحة والدعم السريع تم التأمين فيها على قضية الدمج ، اقترح ممثلو القوات المسلحة سنتين تنتهي بإنتهاء الفترة الانتقالية المقبلة وتحدثت ورقة الدعم السريع عن مدةٍ اقلها 5 سنوات تمتد إلى 10 سنوات ، وأمنت الورقتان على أهمية الدمج كأولويةٍ وقضيةٍ تنهي تعدد الجيوش إضافةً إلى الترتيبات الأمنية التي تشمل قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان وتناولت النقاشات أن يكون وزراء الداخلية والدفاع من المدنيين وهو مالم يتم الاعتراض عليه في الجلسات التي ناقشت

الأوراق الفريق الداورتي
يعلم الجميع أن البرهان لم يحضر ختام ورشة الإصلاح الأمني والعسكري في نهاية مارس 2023 وهي التي كان يتوقف عليها توقيع الاتفاق النهائي ، موقف القوات المسلحة لم يكن مجرد موقفٍ تم التعبير عنه بعدم حضور قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقادة الأركان ونائب هيئة الأركان للإدارة الفريق ركن عباس الداروتي المفتش العام للقوات المسلحة للجلسةِ الختامية ومعهم مدير عام قوات الشرطة والوزير المكلف لوزارة الداخلية عنان حامد ومدير عام جهاز المخابرات العامة ، ولم يكن موقف القوات المسلحة، كان موقف الإسلاميين و القرار متحكماً فيه من الفريق ركن عباس الداروتي والذي تم تكليفه برئاسة اللجنة العليا لورشة الإصلاح الأمني والعسكري للأجهزة الأمنية والعسكرية حيث كلفه قائد الجيش برئاسةِ لجنةٍ عليا تضم قادة الشرطة والدعم والسريع والمخابرات.
أحلامه ووالده
تسبب البرهان في اشعال الحرب وهو يبحث عن أحلامه ووالده بحكم السودان ، ويقف ضد أحلام الشعب السوداني الذي يريد انهاء الحرب واحلال السلام ، بينما هو يتلكأ و يواصل السير مع الإسلاميين في دروب تدمير البلاد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى