مقالات

حسام الدين الشريف يكتب : الحياة صِعْبَت علينا وبي أثر فقدك شَعرنا

هنالك قامات موسيقية وفنية وأدبية باذخة؛ يعادل إنتاجها إنتاج مشروع الجزيرة نفسه؛ منهم الموسيقار العظيم الأستاذ محمد الأمين؛ أحد أهم العلامات البارزة في السودان وافريقيا والوطن العربي، والذي غادر دنيانا الفانية أمس؛ نسأل الله له الرحمة والمغفرة وحسن العزاء.

ورحل ودالأمين الفنان الذي اجمع عليه كل الشعب السودانى؛ الموسيقار الذى لوَّن بألحانه حياة الشعب السودانى والثوري الوطني بحق صاحب ملحمة اكتوبر التاريخية وفنان كل الاجيال فمحمد الامين حمدالنيل بن الجزيرة الخضراء ومدينة ودمدنى الأم الحنون والذي تشبع بطبع اهله في جزيرة الخير ويظهر ذلك جليا في كل اغانيه .

محمد الامين فقده وعزائه في كل البيوت السودانية بالتأكيد والمتابع لكل الاسافير يجد أن الجميع نعاه ويدعو له بالرحمة الشيب والشباب الرجال والنساء وحتى الاطفال يعرفوا ” ابواللمين” كيف لا وهو الذى تسمع صوته شجياً في كل بقعة من اراضي السودان تفتقده مدينة بحري وحى الصافية الذى يقطن فيه وتفتقده الخرطوم وكل مسارحها خاصة مسرح نادى الضباط والذى كان دائم الظهور فيه؛ وبرحيله فقدت البلاد احد اهم ركائزها واعمدتها في الحياة الثقافية والادب والفن .

الحزن يخيِّم علي اهله في منطقة “ودالنعيم” حيث النشأة والاهل وارتباط الراحل بجذوره وناسه؛ هناك ارتباط وثيق فهو لم ينقطع عنهم و قد ظب مواصلاً لهم دائماً في ودالنعيم او في داره بمدينة بحري تحس بهذه العلاقة في الحانه وتظهر صورة هذه القرية الوادعة والتي ترقد علي ضفة الخزان الرئيس الذي يروى مشروع الجزيرة
تعرف ذلك في لحن اغنية رجع البلد وتشاهد صوراً حية من موسيقاه في هذه الاغنية وتتخيل المنازل وحوش جده الازيرق و”دوار العمدة” واشجار البان الطويلة وونسة الديوان وطفل يلعب في احد الازقة وبنات صغار في طريقهن لدرس العصر بالمدرسة وهنالك امام احد الكناتين اعمام وخيلان في ونسة عصرية وحديث عن زراعتهم وعن الهلال والمريخ وعن كل شيئ .

في اغاني ودالامين تشعر بونسة حبوباتنا السمحة وتذكرك هذه الاغاني باجمل سنين العمر وتؤكد لك ارتباط زاد الشجون وبتتعلم من الايام مع كل سودانى وسودانية وكل “زول” له ذكرياته الخاصة مع هذه الاغاني.

“ان تسمع شال النوار ضلل بيتنا ومن بهجة وعدك ماجيتنا وفضلنا وحاتك منتظرين ” تتذكر وانت في احد البصات السفرية متوجهاً لمدينة مدنى او القضارف او الشمالية وحتى كردفان فكان طبيعي ان تستمع للموسيقار الراحل في كل المركبات ووسائل النقل وايضا في قلب السوق العربي ووسط الزحمة يأتيك صوته عذبا بخمسة سنين معاك يازينة الايام مرت حلوة زى أنسام ، وفي كل ربوع البلاد ودالامين ظل حاضراً بصوته القوي والحانه العذبة الجميلة.

رحل ودالامين بعيداً عن وطنه الذى يحب؛ توفي وهو في امريكا بولاية فيرجينيا، رحل والوطن نفسه يبكي وفي حالة حزن كبير وحروب ودمار رحل تاركا لنا إرثاً كبيراً لمكتبة الموسيقي السودانية وسيظل اسمه خالداً في تاريخ السودان .

نعته الطريقة القادرية “المكاشفية” في بيان طويل؛ مؤكدين أن الراحل كان ملتزماً ومتمسكاً بالطريقة منذ نعومة اظافره وحتى لحظات رحيله .
نعته كل المجتمعات والهيئات والمنظمات نعاه الشعب السودانى جميعاً وفي مدينة ودمدنى الجميع يعزى بعضه البعض في هذا الفقد الجلل وفي منزل الاسرة بحي دردق تدافع جميع اهالي ودمدني والجزيرة وكل محبيه وعارفي فضله لواجب العزاء.

هكذا يتغيَّر السودان الذي نعرفه وإلى الأبد، تتغير الخريطة، ويتغير المزاج العام، والروح السودانية، ويتغير مجرى الأنهار العزيزة؛ تتغيَّر كثير من العلامات والاشياء وتتبدل؛ برحيل الموسيقار الذي ظل وحده دائماً في المكانة والمكان.

رحم الله الأستاذ محمد الامين حمدالنيل الازيرق بقدر حبه لوطنه وبقدر تاريخه النضالي الكبير اللهم تقبله قبولاً حسنا واغفرله وخالص التعازى لاسرته الصغيرة وربنا يصبرهم صبرا جميلاً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى