تقارير سياسية

33 الف مبنى تحولت لأنقاض .. الحرب تدمر الخرطوم وتقضي على تاريخها المعماري

– قال متحدث باسم الحكومة السودانية، بحسب سودان تربيون، إنه وبعد مرور ستة أشهر من الحرب بين الجيش والدعم السريع لا توجد احصائية دقيقة حول الخسائر الاقتصادية والمادية، في مقابل تأكيدات مصدر عسكري تدمير ما لا يقل عن 33 ألف مبنى بالعاصمة.

وكبدت الحرب الدائرة منذ منتصف أبريل الماضي، السودانيين اثمانا باهظة، ومنذ نشوبها، باتت الخرطوم في مرمى الخراب سيما في الشهر الثالث الذي شهد موجة تدميرية هائلة للبنى التحتية والمؤسسات الصحية والتعليمية والاقتصادية وطال الدمار كذلك المرافق السياحية والفنادق كما قضى على مباني واثار تاريخية.

ووقعت أعنف الأعمال التدميرية للمؤسسات والمرافق المختلفة والمباني خلال شهر أغسطس الماضي، حين شهد مواجهات عسكرية شرسة في مختلف مناطق العاصمة السودانية التي تئن من استمرار القتال للشهر السابع بلا توقف.

وأكد وزير الثقافة والإعلام جراهام عبد القادر، لـ «سودان تربيون»، عدم وجود احصائية في الوقت الراهن حول حجم الدمار الذي لحق بالمؤسسات والمباني وغيرها، في ظل غياب جهة تتولى حصر المواقع او المباني في ظل تواصل المواجهات العسكرية.

ونبه في اتجاه موازٍ إلى تدمير متحف التاريخ الطبيعي بالخرطوم، بجانب متحف الجنينة ووجود آثار تحت الأرض في منطقة سوبا لا يعرف مصيرها.
وقال جراهام إن المؤسسات المختلفة الموجودة داخل المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع معرضة للخطر، بجانب الأندية والمواقع الثقافية المختلفة.

آلاف المباني تلاشت

نزوح بالدم والمال.. "تجار الأزمات" يضيقون الخناق على الفارين من المعارك بالسودان | الحرة
وكشف ضابط يتبع للاستخبارات العسكرية بالجيش لـ “سودان تربيون” عن تقديرات رصدتها جهات عسكرية توضح بأن 33 ألف مبنى في الخرطوم شهدت دمارا كليا وجزئيا، قائلا إن الرقم مرشح للزيادة.

وفي 18 سبتمبر الماضي، اتهمت وزارة الخارجية السودانية في بيان قوت الدعم السريع بتنفيذ حملة ممنهجة لحرق المؤسسات لتدمير العاصمة، مضيفة أن هذه القوات أشعلت سلسلة حرائق استهدفت عددا من المؤسسات الاقتصادية والمباني التجارية الرئيسية في البلاد.

وفي ذات الشهر، قال المتحدث باسم الجيش إن قوات الدعم السريع أحرقت مباني شركة النيل الكبرى للبترول وبرجي وزارة العدل وهيئة المواصفات والمقاييس بالخرطوم.

وقال الجيش السوداني في بيان صادر في 27 سبتمبر، إن ما وصفها بمليشيا الدعم السريع قصفت مقر مفوضية العون الإنساني بالخرطوم مما أدى إلى حرق المبنى وتدمير محتوياته.

طمس معالم الخرطوم

 

ومع الحرب المتصلة في الميدان تدور معارك كلامية بين القوات المتقاتلة يتبادل خلالها الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عن تدمير البنى التحتية والمباني والمقرات العامة والمنازل وغيرها.

ويتهم قادة الدعم السريع الجيش بتعمد قصف المواقع المهمة بالطيران الحربي والتسبب في دمارها، بينما يقول الجيش انه يترصد عناصر الدعم التي تتخذ من تلك المباني مقرا وقواعدا لمهاجمة أو صد قوات الجيش.

وتبين إحصائيات تقديرية بُنيت على مشاهدات من مقاطع فيديو وصور نشرت على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي تدمير مباني القصر الرئاسي بشكل كبير والمتحف الملحق به، بجانب 29 من مباني الوزارات في الخرطوم، بينها مواقع اثرية وتاريخية شيدت ابان حقبتي الحكم التركي والانجليزي خلال القرن الماضي.

ويعم الخراب الشوارع المحيطة بالقصر الرئاسي وسط الخرطوم كما باتت خالية من الحركة، وتتناثر على جنباتها سيارات مدمرة ومعطلة.

وتشير المقاطع والصور الملتقطة الى دمار واسع لأجزاء كبيرة من القيادة العامة للجيش وسلاح المدرعات جنوب الخرطوم وسلاح الأسلحة بالخرطوم بحري ومقر رئاسة الاحتياطي المركزي جنوب الخرطوم، ووزارة الداخلية والمقر الرئيس لجهاز المخابرات العامة ومقر الأدلة الجنائية وأقسام الشرطة في الخرطوم.

وقال مسؤول في الحكومة لسودان تربيون طالباً عدم ذكر اسمه، إن 29 مقراً حكومياً دمر بالكامل في الخرطوم، إضافة إلى نحو 82 موقع أخر تعرض لتدمير جزئي.

وذكر مسؤولون في حكومة الخرطوم بحسب سودان تربيون أن مباني تتبع لشركات ومكاتب ومؤسسات خاصة في الخرطوم خاصة بوسط الخرطوم طالها خراب كبير.

وأكد أحد المسؤولين تدمير 28 من فروع البنوك التجارية بجانب أجزاء من مبنى بنك السودان المركزي، وتدمير 19 رئاسة بنك وحرق مباني ومجمعات كبيرة بينها برجي الفيحاء والتضامن، وعفراء مول والبنك الأهلي المصري ودار الشرطة ببري ومقر وزارة العدل وعدد من المحاكم وغيرها من المباني والمجمعات.

وقال إن نحو 6 محطات مياه كبيرة متوقفة عن العمل أكبرها محطتي بحري والمقرن.

ومع استمرار القتال وتصاعده دمرت نحو 93 % من محطات ومكاتب الكهرباء في الخرطوم وبحري، وأكد مسؤول في شركة توزيع الكهرباء لـ سودان تربيون، أن الشركة فقدت البيانات بكل المكاتب المنتشرة بالعاصمة عدا بعضها في أم درمان.

وتحدث المسؤول في الشركة عن قطع واتلاف أسلاك التوصيل على امتداد 163 كلم، ما يستدعي وقتاً طويلاً لإعادتها وتأهيل التالف منها مع تدمير وسقوط أكثر من 9 آلاف من أعمدة الكهرباء في العاصمة.

قصف الأسواق

وتعرض أكثر من 158 سوقاً رئيسياً في العاصمة للقصف الجوي ما أدى إلى تدميرها وفق مصدر في الغرفة التجارية بالخرطوم.

وقُصفت في بدايات الحرب عدة أسواق أكبرها السوق العربي والسوق المركزي في الخرطوم، ودمرت صواريخ الطيران الحربي أكبر سوقين في الخرطوم بحري “سوق بحري- سعد قشرة” بالكامل.

وحسب شهادات جمعت من مصادر مختلفة، تعرضت أسواق صغيرة وأخرى ممتدة في مناطق جنوب الخرطوم إلى قصف بالطيران سيما جنوب الحزام بالخرطوم ومحطة 24 بشرق النيل.

ويتطابق هذا ما مع أكدته مصادر في عدد من المناطق القريبة من بعض الأسواق أن عدداً منها ألقيت عليه “براميل متفجرة” كما حدث في “المحطة الوسطى” والسوق المركزي بشمبات في بحري بجانب قصفه بالطائرات الحربية.

وبالتزامن مع ذلك وفي الثالث من أكتوبر اتهمت قوات الدعم السريع الجيش السوداني بقصف مباني السفارة الإثيوبية في العاصمة الخرطوم، ما تسبب في “دمار هائل في المبنى الذي يقع في منطقة العمارات بالخرطوم”، حسب ما ذكرت في بيان لمكتب الناطق الرسمي .

ضرب المصانع

وتلقت المصانع الكبيرة في الخرطوم بحري، ضربات قوية بتدمير 411 مصنعاً، بجانب231 في الخرطوم وأكثر من 193 مصنعا بأمدرمان، من جملة نحو 6100 مصنعا في البلاد وفقا لإفادات تلقتها “سودان تربيون” من مصدر في وزارة الصناعة.

وأكد المصدر “أن احصائية عدد المصانع المدمرة في العاصمة ليست نهائية حتى الآن لعدم تمكن الوزارة من الحصر النهائي في ظل استمرار الحرب “.

وأردف: “العدد المدمر تلقيناه من أصحاب المصانع نفسها ولم تقم جهة بالحصر لتواصل العمليات في الخرطوم وصعوبة مرور فرق التقصي والحصر”.

على جانب مواز، أكد مصدر في وزارة التجارة ارتفاع قيمة الواردات للبلاد بنحو 68 % بعد فقدان وتدمير عدد كبير من المصانع في الخرطوم خاصة تلك تنتج الدقيق والزيوت والصابون والمشروبات الغازية والمياه وغيرها.

علاوة على ذلك تلقت المصانع والمؤسسات الانتاجية ضربات أخرى وفق المصدر نفسه بفقدان ماكينات وقطع غيار وكميات هائلة من الإنتاج الموجود بالمخازن والذي كان في طريقه للأسواق الداخلية والخارجية.

وباستمرار الحرب يجزم الخبير الاقتصادي د. خالد التجاني، في حديث لـ “سودان تربيون” بصعوبة وضع تقديرات حول الخسائر الاقتصادية التي يقول إنها تحتاج إلى طريقة علمية ومؤسسية لجمع المعلومات وحصر خسائر كل قطاع.

ويميل التجاني، إلى أن المشاهدات العامة توضح عمليات تدمير واسعة ومنظمة وممنهجة لكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة.
ونوه إلى أنّ عمليات النهب والسرقة للمصارف ومدخرات المواطنين التي كانت داخل منازلهم تدخل ضمن الخسائر.

وأضاف: ” توقف النشاط الاقتصادي ستة أشهر هذه خسارة.. بجانب حجم الدمار الكبير ومن الصعوبة الآن وضع تقديرات لكن دون قطع شك ستكون العشرات من مليارات الدولارات بجانب خسائر الصادر والوارد والضرائب المباشرة التي تعد الدخل الرئيس للدولة”.

وجزم التجاني بوجود خسائر تجارية فادحة وضخمة وساهم الفراغ الحكومي من وجهة نظره، بشكل مباشر في عدم حصر وتقصى حقائق الخسائر الاقتصادية وتقديرها وتأثيرها.

وتابع قائلا: “إذا توقفت الحرب سيكون هناك حصر لتلك الخسائر وفرصة لإعادة الإعمار التي تطلق فرصة اقتصادية كبيرة”.

مدارس الايواء

صنعت الحرب تداعيات كارثية على قطاع التعليم بتدمير عدد غير معروف من المدارس كما تؤكد لجنة المعلمين السودانيين.

وقال المتحدث باسم اللجنة سامي الباقر، لسودان تربيون إن المدارس التي تستخدم حاليا مركزا للإيواء بلغت 1250 مدرسة في 6 ولايات.

وذكر أن هناك أسر في 154 مدرسة بولاية نهر النيل وأسر في 23 مدرسة بسنار، و57 بسنار، و501 بالجزيرة، 5 مدارس في البحر الأحمر، و510 بالنيل الأبيض.

ولفت الباقر، إلى وجود أسر في 95% من مدارس الشمالية وفق النسبة التي وصلت للجنة.

دمار القطاع الصحي

وتحت ضغط القتال وتأثيراته الهائلة على القطاع الصحي المتداعي في السودان دمرت وتوقفت المستشفيات الكبيرة في العاصمة وتوقفت الخدمة بجميع المستشفيات الخاصة وتدمير بعضها بالكامل مثل مستشفى الأطباء، حسب مصدر في وزارة الصحة الاتحادية والولائية بالخرطوم.

وفي هذا الشأن كذلك، خرجت أكثر من 200 مؤسسة من الخدمة جراء القتال منذ بدء الحرب حسبما قال وزير الصحة السوداني د. هيثم إبراهيم، في تصريحات صحفية في الثاني عشرمن أغسطس المنصرم.

وأكدت احصائية يعمل عليها حالياً صيادلة أطلعت عليها “ٍسودان تربيون” تعرض 220 صيدلية في الخرطوم للتدمير أو السرقة والنهب منذ بدء الحرب.

وذكرت مصادر صيدلانية إن رصد الصيدليات المتضررة جراء الحرب في المناطق غير معروف خاصة الموجودة بجانب مواقع ووحدات الجيش أو التي تقع في مناطق السيطرة للدعم السريع.

ونوهت في تلك الأثناء، إلى وجود عشرات الصيدليات تعاني حالياً بشأن توفير الدواء مثل الصيدليات في منطقة كرري بأم درمان نسبة للحصار المفروض عليها ومنع وصول الأدوية.

وفي مسار متصل أنشأ متطوعون ونشطاء مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي لجمع الدواء المتوفر وتوزيعه على المحتاجين، لكن عادة ما يواجهون حملة اعتقالات بيد استخبارات الجيش والدعم السريع واتهامهم بالعمل مع الطرف الأخر.

وقال الناشط في العمل الطوعي ولاء الدين عبد الكريم، لسودان تربيون إن مجموعات من المتطوعين تقوم بأدوار كبيرة في تلبية حاجة العالقين للدواء في العاصمة الخرطوم.

وبيّن أن المتطوعين يستقبلون الطلب على مجموعات في وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الهاتف ومن ثم ايصاله رغم التحديات الأمنية الهائلة التي تقابلهم خلال التنقل.

ويؤكد ولاء الدين، اعتقال أكثر من 100 متطوع بيد الجيش أو الدعم السريع في مناطق متفرقة بالعاصمة أثناء محاولتهم الوصول للمحتاجين للدواء.

وذكر أن العشرات من اولئك الأشخاص تم الافراج عنهم واعتقال 20 آخرين لمدة أسبوع ومن ثم الافراج عنهم بعد تحقيقات واتهامات بالتعاون مع الطرف الأخر.

وجزم ولاء الدين، بوقوع وفيات كبيرة- قال إن حصرها صعب لعدم تأكيد المعلومات لكن هناك أشخاص طلبوا دواء ومن ثم اعتذروا عن استلامه لوفاة من يحتاجه.

وأردف: “لدينا مجموعتين على وسائل التواصل الاجتماعي “واتساب- تلجرام” أبلغ نحو 102 شخص بوفاة ذويهم أو معارفهم من طالبي الأدوية”.

وكانت منظمة “أطباء بلا حدود” ذكرت أن المعارك أدت إلى خروج غالب المؤسسات الصحية من الخدمة، مشيرة إلى أن صراع الجيش و “الدعم السريع” يعرقل دخول الكوادر الصحية الأجنبية إلى البلاد ويعيق تنقلها داخلياً.

وكشفت منظمة الصحة العالمية عن أن 67% من مستشفيات السودان أصبحت خارج الخدمة بعد أربعة أشهر من بدء الصراع.

وقالت متحدثة المنظمة مارجريت هاريس إن المنظمة تحققت من 53 هجوماً على الرعاية الصحية، مما أدى إلى مقتل 11 شخصاً وإصابة 38 آخرين.

وناشد المجلس القومي للأدوية في تعميم خلال شهر أغسطس الماضي، مستوردي الأدوية بالاستجابة العاجلة لسد النقص في المستهلكات الطبية والأدوية.

وتبين احصائيات رسمية نقصاً حاداً في الأدوية المنقذة للحياة، ويعاني العالقين في الخرطوم وبعض المدن بالولايات التي تشهد اشتباكات بين طرفي النزاع من انعدام الدواء.

وأدت الاضطرابات في القطاع الصحي إلى حرمان عشرات الآلاف من الحصول على العلاج، فضلاً عن إغلاق العديد من مراكز غسيل الكلى بسبب نقص الإمدادات الصحية.

وأشارت نقابة أطباء السودان و5 منظمات دولية ومحلية إلى أن 70% من المستشفيات المجاورة لمناطق النزاع اضطرت لوقف عملها.

بالإضافة إلى ذلك، استهدف 19 مستشفى بهجمات، وأخلي 22 آخر بالقوة منذ بداية النزاع.

وقالت مصادر في هيئة الجمارك السودانية لسودان تربيون، إن الهيئة فقدت نحو 87% من إيراداتها بسبب الحرب وتدمير عدة محطات في منطقتي سوبا شرق الخرطوم والجيلي الواقعة شمالاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى