مقالات

إلى الأخ فائز الشيخ السليك : يصلك مكتوبي هذا وأنت مرتاح البال مطمئناً وقاداً ونيِّراً أيضاً.

كتب : عبدالجليل سليمان

أما قبل:
لقد سعدتُ بتوضيحك المبعوث على فيسبوك تحت عنوان ” حول حقيقة لقاء حمدوك مع رؤساء تحرير الصحف”، وهذا سلوك نثمنه ونثني عليه، أن يأتي من إعلام مكتب رئيس الوزراء، ومن شخصك تحديداً، فأنت صحافي ماهر ونزيه ومناضل، لا شك في ذلك ولا جدال حوله، بالنسبة لي على الأقل.
وبعد:
لماذا بدا لي وكأنك غضبت، ضقت ذرعاً بما كتُب؛ من نقدٍ حول دعوتكم رؤساء التحرير للقاء رئيس الوزراء! أتمنى أن أكون مخطئاً، وإنْ خُيِّل إلىّ أنني رأيت بين سطوركم حنقاً وتبرماً.
بالطبع، سأذهب مباشرة إلى صلب الجدل، مستعيناً بفقرة من مكتوبك المبذول للرد على منتقدي (جزئية) من عملكم الإعلامي بمكتب عبد الله حمدوك، ألاّ وهي تخصيص دعوة لرؤساء التحرير للقاء سعادته، والاستماع إلى (تنوير – ربما) لا أعرف العبارة التي تستخدمونها في هذه الحالة، أو إفادة (من يعلم)، ومن ثم تلقي أسئلة من هؤلاء المدعوين بصفاتهم سالفة الذكر.


أنت قلت ” المؤكد أن النقد هو أول خطوات البناء، وأن العمل العام يظل هدفاً للنقد أو الهجوم الموضوعي وغير الموضوعي، أو المواقف التي تبنى على العاطفة ( محبة/ كراهية) أو الذي يبنى على معلومات خاطئة أو غير دقيقة، أو قد تكون مضللة أحياناً”. انتهي الاقتباس.
وهنا بدت أولى ملامح التبرم، إذ أن العبارات التي وردت بعد: ” المؤكد أن النقد هو أول خطوات البناء، وأن العمل العام يظل هدفاً للنقد”، مثل ” الهجوم الموضوعي وغير الموضوعي، والمواقف التي تبنى على العاطفة والمعلومات الخاطئة أو غير الدقيقة، أو المضللة أحياناً، لهي عبارات مستخدمة قسراً/ ومحشورة حشراً، لوضع كل ما كتب عن هذا اللقاء من نقد في موضع شك، وفي سلة مليئة بالاحتمالات والترجيحات، يدخل القارئ يده، ليختار منها ما شاء من الكلمات والعبارات الموضوعة بعناية داخلها.


إذاً، فلننظر الخيارات التي وضعها السليك في سلته هذه ليصف بها (الغرض) من المحاججات في جدوي اجتماع حمدوك مع رؤساء التحرير، وضعها بنسبة (1 إلى 6)، فالاحتمال الأول هو الايجابي فقط، أما الستة التالية فجميعها سلبية، فالذين كتبوا في هذا الصدد بحسب (سلة السليك)، إما يقدمون نقداً، وهذا جيد أو: أو يمارسون هجوماً – وهذا سيئ سواء كان موضوعياً أم غير موضوعي، أو يبنون مواقفهم على العاطفة، وهذا سيئ جداً، خاصة في وصف مواقف الصحافيين وفيه قدح في تحكيم ضمائرهم المهنية، فإذا وصفت الصحافي بالعاطفي، فإنك أصبت مهنيته القائمة على الموضوعية (التي تتطلب التعامل مع الحقائق) في مقتل، ولربما ايضاً بحسب السلة نفسها، فإن الصحافيين هؤلاء بنوا كتابتهم تلك على معلومات خاطئة وغير دقيقة ومضللة، فيا للهول، كل هذا – وفائز يتقبل النقد بصدر رحب، وقد قال المغني القديم: ” إن لم يكن صدرك رحب يا قلبي أحسن تنسحب”!
على أي حال، هكذا بدا لي مقال صديقنا السليك، بل أكثر من ذلك، حينما أوغل في ترف الكلمات التي من هذه الشاكلة، فأنظر – حيّاك الله ورعاك – إلى هذا الاقتباس، يقول السليك: “بقدر ما جاءت الإشارة إلى أن من ينقد الناس عليه أن يتوقع نقد الآخرين له، وأن يختبر مع نفسه قدرته على تحمل الآراء الناقدة/ المضادة، أو المهاجمة بدون أي سند، أو تلك التي تجئ في سياق التَنمر، أو حملات شواء وكراهية”!
وأنا غارق في قراءة هذا الاقتباس، تساءلت، ماذا يريد أن يقول صاحبنا للجميع، ماهي الرسالة من عبارات مثل ” عليه أن يتوقع ….. ولاحقاً شواء وكراهية وتنمر”.. هل يريد السليك أن يحول إعلام مجلس الوزراء إلى منصة علينا أن نتوقع منها حفلات شواء وتنمر وحملات كراهية مضادة مثلاً، وعلينا أن نستعد لتقبلها بصدر رحب؟!

  • طيِّب، سنفعل، إذا كان إعلام (مكتب حمدوك) مهيأ للانصراف إلى مثل هذه المعارك الصغيرة مع الصحافيين.

كل ذلك، كتبه السليك، فقط؛ لأن بعض الصحافيين انتقدوا خطة رئيس الوزراء للتعامل مع الإعلام، وهي خطة في تصوري – خاصة في جانبها الذي بدأ أمس، بلقاء رؤساء التحرير، شديدة الهِباب والرثاثة وأكثر من ذلك تقليدية و منتحلة من إعلام الكيزان، لذلك على الطاقم الإعلامي الذي وضعها مراجعتها، أو أن لا يتعب ذاته المنهكة في المشروعات الإعلامية الضخمة، فيلغيها ضربة لازب وجرة قلم.
قال السليك في هذا الخصوص: ” نرفض وصفنا بعقلية ” النظام القديم” وتمييز رؤساء التحرير، أو بعضهم على بقية الزملاء، فنحن آخر من يفكر بعقلية النظام القديم”!
وأنا شخصياً أرفض هذا الوصف لشخصك الكريم المناضل ذو الأخلاق الفاضلة والسيرة المهنية العطرة النزيهة. ولكن (قصة لقاء خاص دوري) لرئيس الوزراء مع رؤساء التحرير، والتي شددت عليها وقلت إنكم ماضون فيها إلى نهايتها، خطة فاشلة وغير مثمرة، وهي من انتاج النظام السابق وجهاز أمنه، وأنت أول من يعرف ذلك، وتعرف بجانبه إنها باءت بالفشل، ولم تسهم في تغيير الصورة الذهنية للنظام لدى الجمهور، فأطيح به، وجيئ بحمدوك ومكتبة الإعلامي بدلاً عنه!


قال صديقنا السليك: ” أن بعضاً من الذين انتقدوا الدعوة عملوا، أو لا زالوا يعملون بذات المؤسسات، ومع نفس رؤساء التحرير!”. ووضع علامة التعجب هذه في نهاية فقرته، فما الإشارة التي وصلتك من هذا الاقتباس؟
إذا كان يقصد – إن أحسنا النيّة في التفسير – إن من يعملون مع رؤساء التحرير المدعوين، حتى الآن أو عملوا معهم، لا يحق لهم الاعتراض على هذه الفكرة، طالما إنهم على رأس العمل، وبالتالي عليهم الانصياع لمشيئات مخدميهم والخضوع لإراداتهم والتساوق والانسياق مع مذاهبهم، فإنّ فائزاً قد أخطأ خطأً جسيماً، أما إذا كان يريد بعبارته هذه أن يقول لهم (سأقطع لسانكم) أو أوقع بينكم وبين رؤساء (تحرير) الصحف التي تعملون بها، فقد أخطأ وأفحش في الخطأ!
رؤساء التحرير هؤلاء، عملنا معهم، وهم زملاء أعزاء في المهنة، لكن معظمهم وليس كلهم، لن يستطيعوا أن يسهموا في الترويج الإعلامي لخطط الحكومة ومشاريعها، لأنهم ضدها، ولأن صفة (فلول) ستلاحقهم من قبل المتلقين (الجمهور، القراء) فتأتي النتائج عكسية تماماً – و لأنهم أيضاً (معظمهم) يتبعون للنظام السابق ويواددون العسكر ويحرضونهم ليل نهار على الإطاحة بحكومة التسوية السياسية.
ثم إن الصحافيين ليسوا خاضعين لإرادة أي منهم، حتى ولو عملوا معهم، وكنا نعمل في صحف موالية للحكومة – بشكل ما – وننتقد الحكومة، ولا يسألنا رؤساء التحرير ولا يفرضون علينا آراءهم، وهذه شهادة منّا – لكثيرين منهم- بذلك، وإن كان بعضهم يفرض آراءه، فقد كان يفعل ذلك بطريقة معقوله. وبالتالي، فإننا مخالفون لمسيرتهم ولطريقتهم؛ وهذا لا يمنع أن نعمل معاً، وأن نقول في نفس الوقت بأننا لا نريدهم أن يُخصوا بأي ميزة لدى مكتب رئيس الوزراء، لأن الفاعلين الحقيقيين ليسوا هم، بل الصحافيين (الغبش)، ولأن المصداقية لدى هؤلاء أيضاً أكثر مما لدى أؤلئك – وهنا اتحدث عن المصداقية والتأثير على الجمهور (القراء).

لماذا لا يُصْدِرْ مكتب الإعلام برئاسة الوزراء، نشرة دورية يوزعها للصحف ؟ لماذا لا يخرج رئيس الوزراء بين الفينة والأخرى في مؤتمر صحافي مفتوح؟ لماذا لا يأتي المتحدث باسم رئيس الوزراء إلى المنصات الإعلامية ويتحدث نيابة عنه؟ لماذا لا يكون لرئاسة الوزراء موقع الكتروني – مصمم بطريقة جذابة ينشر الأخبار والزيارات والفعاليات واللقاءات الخاصة برئيس الوزراء وطاقمه كله، وتمتح منها الصحف عزيزة مكرمة.
يعني بس (فالحين) في قصة رؤساء التحرير دي؟
دي قصة حساسة جداً، ولها تاريخ من السخف والغبن وسط الصحافيين ولن يقبلها أحد. أنتم استمروا فيها – أعانكم الله – ونحن ننتظر نتائجها المثمرة وقطوفها الدانيِّة، خافقة عالية، وخافضة رافعة .. وبعدها لكل حادث حديث ..
ودٌ لا يفتر وأغنيات يا فائز .
ولك الخُنّسِ والجوارِ الكُنسِ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى